تكتب الدكتورة سحر هنيدي في ميدل إيست مونيتور عن عودة روح القرصنة السياسية والمالية في ثوبٍ عصري، متجسدة في شخصية جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أعاد تعريف “النهب المشرعن” بوسائل المال والدبلوماسية بدل المدافع والسفن.

من قراصنة البحار إلى قراصنة السياسة

تستعيد هنيدي مفهوم “القراصنة المرخّصين” في القرن السابع عشر، الذين كانوا يحصلون على إذن رسمي من الدولة لنهب سفن الدول المنافسة مقابل اقتسام الغنائم. ورغم إلغاء هذه الممارسة عام 1856، ترى الكاتبة أن روحها عادت من جديد، في هيئة رجال يرتدون بدلات رسمية ويبررون طمعهم بلغة “التنمية” و“السلام الاقتصادي”.

تضع هنيدي كوشنر في صدارة هذا المشهد، إذ يستخدم نفوذه العائلي وموقعه السياسي في عهد ترامب ليتسلل إلى ملفات الشرق الأوسط تحت شعار “صفقة القرن” ثم “اتفاقيات أبراهام”، متجاهلًا جذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وعندما وصف كوشنر القضية الفلسطينية في مقالة بـ“نزاع عقاري”، كشف مدى سذاجة رؤيته واستعلائها، كأنه يتحدث عن صفقة أرض لا عن مأساة شعب.
 

صفقة غزة: استعمار بواجهة التنمية
توضح الكاتبة أن كوشنر استثمر علاقاته مع صناديق الثروة السيادية في السعودية والإمارات وقطر لتمويل شركته الخاصة Affinity Partners، محولًا النفوذ الدبلوماسي إلى أرباح بالمليارات. وتصف ذلك بـ“القرصنة الحديثة” التي تبتلع الموارد تحت غطاء السياسة.

تستعرض هنيدي عودته إلى الساحة عام 2025، حين استدعاه الرئيس الأمريكي الحالي للمشاركة في رسم خطة “إعادة إعمار غزة” بعد الحرب، قائلًا: “جارد ذكي ويعرف المنطقة”. تشير الكاتبة إلى أن كوشنر لا يملك أي خبرة حقيقية سوى ميراث أبيه، تشارلز كوشنر، الذي تربطه علاقات قديمة بنتنياهو، حتى أنه أقام في منزل العائلة بنيوجيرسي.

يشارك كوشنر في اجتماعات البيت الأبيض إلى جانب توني بلير وعدد من رجال الأعمال والمستثمرين العقاريين، واضعًا تصورًا لتحويل غزة إلى “واجهة بحرية مربحة” عبر مشاريع تهدف إلى “تنظيفها” و“إعادة تطويرها”، أي تهجير سكانها قسرًا وإعادة صياغة جغرافيتها بما يخدم الاحتلال.
 

“السلام” كلغة نهب جديدة
ترى هنيدي أن كوشنر، ببروده وانفصاله العاطفي، يجسّد نوعًا جديدًا من البيروقراطيين الذين يتحدثون عن الإبادة وكأنها مشروع هندسي. تصفه بأنه “وجه بلا ملامح” يعكس انعدام الضمير، يناقش مصير الملايين بنفس الأسلوب الذي يراجع به محفظته العقارية.

تسخر الكاتبة من اللغة التي تُستخدم لتجميل الجرائم، حيث تتحول مفردات “السلام” و“وقف إطلاق النار” إلى عبارات فارغة تُخفي واقع القتل والتجويع. تشير إلى أنه في ليلة واحدة من أكتوبر، قُصف أكثر من مئة فلسطيني – من الأطفال والنساء والشيوخ – بينما تُعلن واشنطن عن “جهود سلام”. وتوضح أن الخطة الجديدة التي يروج لها كوشنر، بما فيها تقسيم غزة على طريقة مناطق أوسلو (A, B, C)، تعني في الواقع “تغليف الاحتلال بلون جديد” وتقنين الفصل العنصري داخل القطاع.

تقول هنيدي إن عصر القراصنة عاد، لكن أدواته تغيّرت: بدلاً من السيوف والسفن، صار السلاح هو النفوذ الاقتصادي، والمبرر هو “الاستثمار في السلام”. يجتمع كوشنر وتوني بلير ورون ديرمر وستيف ويتكوف في مشروع نهب جماعي للأرض والثروات، حيث تتحول “السلام” إلى كلمة بديلة لـ“الاستحواذ المربح”.

تختم هنيدي بقولها إن القرصنة اليوم لم تعد عملاً خارج القانون، بل أصبحت سياسة مُعترفًا بها، يقودها رجال يبتسمون أمام الكاميرات بينما يقتسمون الغنائم خلف الأبواب المغلقة. في عالم كوشنر، لا فرق بين مستوطنة ومشروع، ولا بين هدنة وصفقة. إنها عودة صريحة لعصر القراصنة، فقط بربطة عنق.

https://www.middleeastmonitor.com/20251112-jared-kushner-and-the-age-of-modern-buccaneering/